مجتمع

الساحل: الطريق نحو الخيار الصعب

يومان فاصلان في سوريا وأهم ما حصل منذ سقوط النظام.. عملية 6 آذار أخطر من هجوم محدود، فماذا حدث، وما أسبابه، والتداعيات المحتملة؟

future مقتل العشرات في سوريا بعد هجوم شنه موالون للأسد على قوات حكومية

كان هجوم 6 مارس/ آذار عملية منسقة لاستهداف الأمن العام بكمائن على الطرق والسيطرة على مراكز المدن الرئيسة في اللاذقية وبانياس وجبلة وطرطوس وصولاً إلى حميميم لربط روسيا في المعادلة الجديدة مباشرة.

أمام عدد الشهداء الكبير من الأمن العام ووقوع مجموعات من الأمن تحت حصار عصابات الشبيحة أو الفلول كما يجري تسميتهم، في الكلية البحرية بجبلة والمشافي ومراكز أمنية عدة، كانت الدولة الجديدة المهدّدة أمام خيار صعب: فالقوات الحكومية داخل الساحل أصبحت محاصرة ومرصودة الطرق ولا يكفي عددها لشنّ هجوم مضاد، كما أن الشعور بتهديد خروج الساحل عن السيطرة ووجود قوات أكبر للفلول وشبهة وجود دعم روسي وإيراني للهجوم قد يفرض واقعاً جديداً فاقمت الحاجة للتدخل السريع، وظهرت مباشرة هبة شعبية للثأر والتدخل ومساندة الدولة أمام هجوم الفلول، تبعها سريعاً أرتال عسكرية من معظم المناطق.

كان خيار التدخل العسكري بقوات عسكرية بدهياً وضرورياً، ولكن رغم دمج الفصائل في وزارة الدفاع فإن النواة الصلبة لوزارة الدفاع ما تزال هيئة تحرير الشام، والهبّات الشعبية والفصائلية من كل المناطق، والتي تتضمن مجموعات غير سورية أيضاً، لم تكن ضمن خطة تدخل محددة ولا تنظيم عسكري موحد قابل للضبط.

ظهرت مباشرة تبعات سياسة عدم إشراك قوى أخرى في القرار واقتصاره على دائرة ضيقة، وبالتالي عدم كفاية الهياكل الإدارية والعسكرية لتحديات الدولة، والآن تحديات هدم الدولة، بلا شك حمت الحاضنة الثورية وقواها الدولة، وتبين أنها القوة الوحيدة الحقيقية ولو لم يتم إشراكها في القرار منذ التحرير، ولكن اقتصار الهياكل الرسمية على دوائر ضيقة حدّ قدرتها أمام تحديات واسعة، وكان تعويض نقص الأعداد بتخريج دفعات سريعة مما فاقم تحديات الكفاءة والضبط ولم يحلّها.

أمام هذا الواقع واللحظة الصعبة كان هناك خياران أمام الدولة، الانتظار حتى ترتيب قوة عسكرية منظمة والدخول بخطّة، وهذا غير ممكن مع وجود قوات حكومية محاصرة من الفلول، أو الخيار الثاني وهو اقتصار قوات الردع على النواة الصلبة من هيئة تحرير الشام سابقاً، وهذا كان يواجه خطر عدم اليقين من أعداد الفلول، والخوف من عدم كفاية أعداد المقاتلين المنظمين الجاهزين للتدخل مباشرة، وكذلك مشهد الهبات الشعبية والأرتال المتتابعة التي لم تنتظر أحداً، والتي حفزها شعور متراكم من عدم تحقق العدالة بحق مجرمي النظام وعودة هذا النظام لتهديدهم وقتلهم.

لذلك حصل الخيار الثالث وهو الدخول الكبير لقوات ردع الفلول وانتشرت بلا تنظيم أو خطة عسكرية غالباً، ولا قدرة على مراقبتهم من القيادة المركزية وسط معركة لفكّ الحصار عن القوات الأمنية المحاصرة واستعادة المناطق، وأمام حالة غضب عارم ودوافع قديمة للانتقام الذي يصبح في حالة فوضى وهياج جماعي غير منضبط بالضرورة، عدا عن عصابات نهب وسرقة انتشرت مباشرة.

بدأت تنتشر فيديوهات الإعدامات الميدانية والانتهاكات منذ صباح السابع من آذار، ولا يمكن بسرعة تحديد الجهات الفاعلة فيها، ولكنها بلا شك لا تشبه الانضباط الذي أبدته قوات ردع العدوان خلال معركة إسقاط النظام أو الأمن العام نفسه في الساحل بعد ذلك، وستبقى هذه المواد بلا شك موضوع كثير من التحقيقات الدولية لاحقاً لتحديد الأشخاص الظاهرين فيها، وإن كانت هناك اتهامات موجهة منذ الآن لبعض الفصائل بارتكاب انتهاكات بعينها في بعض المناطق، ولا يمكن هنا نفي ارتكاب انتهاكات عن القوات الرسمية أيضاً، هذا كله رهن التحقيق والأدلة والشهود، على الدولة التحقيق في ارتكابات منتسبيها قبل غيرهم، وعلى الدولة تحمل مسؤولية حماية مواطنيها، ومسؤولية العمليات التي تجري تحت سلطتها.

كانت أبرز المناطق التي شهدت إعدامات جماعية مدينتا بانياس وجبلة وقرى المختارية وصنوبر وأرزة. ولا شك حصلت حالات في غيرها، في بانياس لا شك أن القتلى داخل البيوت كانوا مدنيين، في القرى لا نعرف خلفيتهم بعد، ولكن إعدام الأسير يعتبر انتهاكاً بحد ذاته، وشهدت بانياس وجبلة عمليات نهب واسعة طالت محلات السنة كالعلويين.

منذ مساء السادس من آذار وحتى مساء اليوم السابع، استمرت عمليات الفلول في استهداف قوات الأمن العام أو قوات الردع العسكرية التي دخلت أو استهداف سيارات لأن نمرتها إدلب أو نساء لأنهن محجبات وعمليات إعدام نفذوها في المشافي قبل انسحابهم منها، ابتعد خطر هؤلاء الفلول الآن عن المدن، ولكن استمرار التمشيط العسكري سيمتد أسابيع أو شهوراً بعد ذلك لمنع تجدد هجوم السادس من آذار.

في الوقت نفسه فإن وزارة الدفاع بدأت تحاول ضبط الوضع بعد استعادة السيطرة على المراكز والطرق، وأمام انتهاكات مصورة وموثقة لا يمكن الإنكار والتبرير، لذلك أصدرت تصريحات بتوقف العمليات العسكرية عدة ساعات حتى ضبط مجموعات قامت بتجاوزات، وأعلنت إجراء تحقيق في هذه التجاوزات، وأكدت الدولة من الرئيس إلى وزارة الدفاع والأمن العام والمحافظة وكل المستويات رفض التجاوزات والتحقيق فيها.

نحن أمام مئات الشهداء والضحايا والقتلى خلال 48 ساعة، لا نعرف عدد شهداء الأمن العام والثوار بعد ولكنه لا يقل عن 200، ولا نعرف عدد الضحايا المدنيين بعد ولكنه حسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان لا يقلّ عن 125، كان هذان اليومان فاصلان وأهم ما حصل منذ سقوط النظام، ورغم إفشال خطة الفلول العسكرية، إلا أن تداعيات ما حصل والانتهاكات التي رافقتها ستبقى خطيرة وبوابة للضغوط وتدخلات وربما عقوبات دولية.

يحتاج هذا الحدث مراجعة لسياسات كثيرة كانت في المرحلة السابقة، لا بديل عن العدالة بحقّ مجرمي النظام الأسدي، ولا قوة للدولة أكبر من مشاركة قوى سياسية واجتماعية واسعة فيها، ولا يُبنى السلم الأهلي والاستقرار المحلي دون وجود شركاء وحلفاء من داخل هذا المجتمع، والثورة كما كانت حامية للدولة فما زالت بمبادئها وحواضنها وخطابها الوطني وقيمها الموجهة لكل السوريين هي الحامي والضامن الوحيد للوطن، ولا ينبغي التسامح أو التبرير أو التطبيع مع استباحة مجتمع أو إنسان، فالتطبيع مع الجريمة يمهد لتكرارها وأن تكون أنت من ضحاياها مستقبلاً.

# سوريا # روسيا # إيران # بشار الأسد

بين الأدب والسياسة: بحثٌ في ذاكرة الألم
حول حزب الله والهزيمة الإيرانية
من دمشق إلى باريس – نوتردام سليلة العمارة الإسلامية

مجتمع